
سر العيش الشمسي في الصعيد: خبز البركة الذي تخمره أشعة الشمس
سر العيش الشمسي في الصعيد:
خبز البركة الذي تخمره أشعة الشمس
يُعد **العيش الشمسي** من أقدم وأشهر أنواع الخبز في **الصعيد المصري**، وهو ليس مجرد طعام يُؤكل، بل **رمز للحياة والبركة والهوية الريفية الأصيلة**.
فمنذ مئات السنين، ما زالت نساء القرى في الجنوب المصري يُحافظن على طقوس صنع هذا الخبز العجيب، الذي يختلف عن أي نوع آخر من المخبوزات في الشكل والطعم والرائحة وحتى في الروح التي تصاحبه.

السر في الاسم: تخمير بالشمس لا بالنار
يُسمّى "العيش الشمسي" بهذا الاسم لأن عملية تخميره تعتمد على **أشعة الشمس** بدلاً من الخميرة الصناعية أو التخمير الحراري.
فعندما تُعد العجينة من **دقيق القمح الكامل والماء والملح**، تُغطّى بقطعة قماش وتُترك تحت الشمس لتختمر طبيعيًا.
هذه الطريقة تجعل الخبز يحتفظ **بقيمته الغذائية العالية** ونكهته الفريدة، كما تمنحه قشرة مقرمشة من الخارج وملمسًا طريًا من الداخل.
ويقول الصعايدة دائمًا إن “الشمس هي سرّ البركة”، لأن حرارة الشمس الطبيعية تمنح العجين روحًا حية لا يمكن تقليدها في الأفران الحديثة.
طقوس تصنعها النساء بروح الجماعة
تحضير العيش الشمسي في الصعيد ليس مجرد عمل منزلي، بل **مناسبة اجتماعية كاملة**.
في الصباح الباكر، تجتمع نساء البيت والجيران في فناء الدار أو على سطح المنزل، وهن يحملن "الطبلية" الخشبية و"المنديل الأبيض" الذي يُغطّى به العجين.
تبدأ السيدات بالعجن والغناء والدعاء، ثم يُتركن العيش ليختمر في دفء الشمس، وسط أصوات الضحك والحديث.
تصف كثير من السيدات تلك اللحظات بأنها **أيام البركة والونس**، إذ يجتمعن حول العجين كما يجتمعن حول الذكريات والقلوب الطيبة.
الطبلية والفرن البلدي: أدوات الطيبين

بعد أن تختمر العجينة بفعل الشمس، تُرصّ الأرغفة على الطبلية وتُخبز في **الفرن البلدي المصنوع من الطين**.
تنتشر في الهواء رائحة لا تشبه شيئًا آخر، مزيج من القمح والسمن والذكريات.
ويُقال إن "ريحة العيش الشمسي" تكفي لتدلّك على بيتٍ صعيدي أصيل حتى لو كنت بعيدًا عنه.
الفرن البلدي يُعتبر جزءًا من هوية البيت، وتتعامل النساء معه بحرصٍ شديد كأنه كائن حي، فله درجة حرارة محددة وزمن خبز مضبوط تعلمه الجدات بالفطرة.
القيمة الغذائية والرمزية
يُصنع العيش الشمسي من **دقيق القمح الكامل**، لذا فهو غني بالألياف والبروتينات والفيتامينات، ويُعتبر من أكثر أنواع الخبز فائدة للجسم.
لكن قيمته الحقيقية ليست فقط في التغذية، بل في **رمزيته الاجتماعية والدينية**.
فهو يُقدَّم في الأعياد والمواسم، ويُستخدم في "الفتة الصعيدي"، كما يوضع أحيانًا صدقةً عن روح المتوفين.
يُقال في الصعيد إن “من يأكل من العيش الشمسي بيتبارك بيه”، لما يحمله من روح الخير والرضا.
رمز الأصالة والبقاء
رغم تطور الحياة ودخول الأفران الحديثة إلى القرى، ما زال العيش الشمسي حاضرًا في البيوت القديمة وفي المناسبات الخاصة. تحرص الأمهات على تعليم بناتهن طريقة صنعه كما تعلّمنها من الجدات، لتبقى **الهوية الصعيدية حيّة في رغيف خبز ذهبي اللون**. إنه أكثر من طعام، إنه **ذاكرة الجنوب**، ورمزٌ لصبر المرأة الصعيدية وكفاحها اليومي للحفاظ على بركة البيت ورائحته الطيبة. (العيش الشمسي – خبز الصعيد – المطبخ الصعيدي – الأكلات التراثية في الصعيد – طريقة العيش الشمسي – أكلات من الريف المصري – التراث المصري الأصيل)