
السَّلتة اليمنية… تراث المذاق وأصالة المائدة
السَّلتة اليمنية…
تُعد السَّلتة اليمنية من أشهر الأطباق التقليدية في اليمن، بل هي الطبق الوطني الذي يرمز إلى الضيافة والعادات الأصيلة في البلاد. تجمع السلتة بين النكهات القوية والمكونات الطبيعية، لتعبّر عن عمق الثقافة اليمنية وتنوّع مطبخها العريق الذي يُعدّ من أقدم المطابخ في شبه الجزيرة العربية.
تاريخ السلتة وأصولها
يعود أصل السلتة إلى العصور القديمة في اليمن، حيث كانت تُحضّر في بيوت صنعاء وتعز وعدن كمصدر للطاقة والتدفئة، خاصة في فصل الشتاء. ومع مرور الزمن، أصبحت السلتة من الأطباق الرئيسية التي لا تخلو منها الموائد اليمنية، سواء في المناسبات العائلية أو في المطاعم الشعبية.
وتُعتبر السلتة رمزًا للهوية اليمنية، إذ تعبّر عن بساطة العيش وكرم الضيافة، فهي تُقدَّم للضيف دائمًا كدليل على الترحيب والاحترام. واليوم، لا يزور أحد اليمن دون أن يتذوّق هذا الطبق الشعبي الذي يعكس تاريخ البلد وروح أهله.
مكونات السلتة اليمنية
تتميّز السلتة بمكوناتها الفريدة التي تجمع بين اللحم، والمرق، والخضروات، والتوابل، ويُضاف إليها مكوّن أساسي يمنحها نكهتها الخاصة يُسمّى الحلبة المخفوقة.
يُطهى اللحم (غالبًا لحم الغنم أو البقر) مع المرق والتوابل، ثم يُضاف إليه خليط من الطماطم والبصل والثوم والفلفل الأخضر. وبعد أن يغلي الخليط، يُضاف إليه القليل من الحلبة المنقوعة والمخفوقة حتى تصبح رغوية، مع صلصة تُعرف باسم الملوحية المصنوعة من الكزبرة والفلفل.
تُقدَّم السلتة عادة في قدر فخاري صغير يُسمّى “المَفْطَح” أو “الحَرضة”، والذي يحتفظ بحرارة الطعام لفترة طويلة.
طريقة التقديم وأسلوب الأكل
تُقدَّم السلتة ساخنة جدًا، وغالبًا مع الخبز اليمني التقليدي مثل الملوج أو التّاوَه، الذي يُستخدم بدل الملعقة لتناولها. وتُعتبر طريقة الأكل جزءًا من متعة الطبق، إذ تُشارك الجماعة نفس الوعاء في جوّ من الألفة والتواصل.
وفي بعض المناطق اليمنية، تُضاف بيضة على وجه السلتة أثناء التقديم، لتذوب بحرارة المرق، مما يمنحها ملمسًا كريميًا وطعمًا مميزًا.
أنواع السلتة اليمنية
رغم أن السلتة تُعرف بطريقتها التقليدية، إلا أن لكل منطقة في اليمن لمستها الخاصة:
سلتة صنعانية: وهي النسخة الأصلية، تُطهى باللحم والحلبة المخفوقة.
سلتة تعزية: تُضاف إليها الخضروات والفلفل الحار وتكون أكثر توابلًا.
سلتة عدنية: تتميّز باستخدام اللحم المفروم وطماطم أكثر لإضفاء نكهة غنية.
هذا التنوع يعكس ثراء المطبخ اليمني وتعدد ثقافاته المحلية، مما يجعل السلتة طبقًا جامعًا لكل اليمنيين رغم اختلاف مناطقهم.
القيمة الغذائية
تُعد السلتة وجبة متكاملة ومغذية، إذ تحتوي على البروتينات من اللحم والبيض، والألياف والفيتامينات من الخضروات، والدهون الصحية من زيت السمسم المستخدم في الطهي. كما أن الحلبة تُعد عنصرًا مفيدًا للهضم وتعزيز المناعة، مما يجعل السلتة طبقًا صحيًا بامتياز عند تناولها باعتدال.
السلتة كرمز للثقافة اليمنية
لا تقتصر السلتة على كونها أكلة لذيذة، بل تُعد رمزًا للكرم اليمني الأصيل. فهي تُقدَّم في الولائم والأعياد، وتُعد جزءًا من هوية المجتمع، حيث يتشارك الأهل والأصدقاء الطبق في جو من المحبة.
كما تمثل السلتة صلة الوصل بين الأجيال، إذ تتناقل النساء وصفاتها بدقة من الجدّات إلى البنات، مما يحافظ على الطابع التقليدي للأكلة في وجه الحداثة والتغيّر.

تبقى السلتة اليمنية أكثر من مجرد وجبة شعبية؛ فهي مرآة تعكس عمق التراث اليمني وروح التآلف التي تميّز المجتمع. بنكهتها الغنية وتاريخها العريق، استطاعت أن تحجز مكانتها بين أطباق المطبخ العربي والعالمي.
وفي كل ملعقة من السلتة، تجد عبق الماضي، ونكهة الأرض، وحكاية شعب عُرف بكرمه وأصالته.