
المنسف الأردني التراثي
المنسف الأردني
يعتبر المنسف أكثر من مجرد طبق... إنه هوية وطنية فعندما يُذكر الأردن، لا يمكن أن يغيب المنسف عن الصورة أبدا. فهو ليس مجرد طبق تقليدي يُقدم في المناسبات، بل هو رمز للكرم، والعادات، والانتماء، والهوية الأردنية التراثية. من حفلات الزفاف إلى المجالس العشائرية، ومن الولائم الكبيرة إلى المناسبات الرسمية، المنسف حاضر دائمًا بقوته ونكهته وهيبته.
ولكن قبل التطرق إلى المنسف بشكل دقيق من طريقة عمله إلى طريقة تقديمه دعونا نتحدث أولا عن أصل المنسف.
المنسف كما نعرفه اليوم لم يكن موجودا منذ قرون، بل تطور خلال المئة سنة الأخيرة تقريبا، خاصة في جنوب الأردن، -وتحديدا- في مدينة الكرك استخدم البدو في البداية مكونات بسيطة ومتوفرة لديهم كاللحم والبرغل أو الحنطة، ولكن ظهور الجميد الكركي – وهو اللبن المجفف والمخمر -و هو ليس فقط مكونا في المنسف ، بل هو ما يمنحه طابعه الخاص ونكهته الفريدة، وهو العنصر الذي يميز المنسف الأردني عن أي طبق مشابه في بقية بلاد الشام...وطريقة عمل الجميد تكون بعدة خطوات وهي كالتالي:
أولا يتم غلي حليب الأغنام جيدا ثم تركه حتى يبرد ,ثم يتم وضع خميرة اللبن الرائب على الحليب ليصبح لبنا رائبا, وفي اليوم التالي يأتي دور عملية السعن أو بمعنى أخر عملية "الخض" أي فصل الزبدة عن اللبن و كانت تتم قديما بواسطة "السعن" ، وهو وعاء من جلد الغنم تقوم النسوة بدفعه للأمام والخلف بما يشبه الآلة لفترة طويلة حتى تجري عملية الفصل" .
بعد فصل الزبدة عن اللبن نقوم بغلي اللبن على النار لفصل الماء عن اللبن ثم يوضع في كيس من القماش الأبيض النظيف ويكبس بين حجرين حتى ترشح المياه من اللبن. يبقى اللبن "مكبوسا" لمدة ثلاثة أو أربعة أيام ، ويسمى اللبن عند هذه اللحظة "جبجبة". يضاف الملح بعد تلك المرحلة ثم يوضع في وعاء كبير ويعجن ويشكل على شكل كرات دائرية تسمى "زعاميط". توضع هذه الكرات على أرضية نظيفة مغطاة وتعرض للهواء حتى تجف ثم توضع في أكياس خاصة لحفظها.
ونعود الأن إلى طريقة التحضير و المكونات الأساسية وهي اللحم وغاليا ما يتم استخدام لحم الغنم البلدي الطازج ,السمن البلدي , الجميد الكركي والذي شرحنا طريقة عمله سابقا, الأرز وخبز الشراك وأخيرا المكسرات والبقدونس والتي تُستخدم للتزيين، بحسب المناطق والتقاليد..
طريقة التحضير: وطبعا تختلف من منطقة لأخرى حسب التقاليد لذلك سأقوم بكتابة الطريقة التي غاليا ما يتبعها سكان أهالي مدينة عجلون.
أولا: نقوم بسلق اللحم البلدي حتى الاستواء .
ثانيا: نقوم بخلط الجميد الذي طبعا سبق لنا أن قمنا بنقعه في كمية ماء بسيطة قبل بيوم أو قبل بعدة ساعات مع لبن ويمكننا إضافة أيضا بعض الكركم وبعد ذلك نقوم بوضع الخليط على النار مع التحريك المستمر باتجاه واحد, وعندما تبدأ الفقاعات بالظهور يمكننا إضافة السمن البلدي وتركه يغلي قليلا.
ثالثا: نقوم بإضافة مرق اللحم الذي أنهيناه في أول خطوه إلى خليط الجميد واللبن والسمن وبينما هو يغلي نضيف اللحم إليه ونتركه لمدة ربع ساعة لكي تأخذ اللحمة نكهة الجميد بشكل كبير.
رابعا: نقوم بطهي الأرز الأبيض وتختلف كمية الماء المطلوبة حسب طبعا نوع الأرز , ونقوم بوضع المكسرات داخل زيت مغلي وعند تغير لونها للذهبي ستكون جاهزة.
والأن ننتقل إلى طريقة التقديم ولأن المنسف لا يُقدَّم كأي وجبة. هناك طقوس خاصة تحيط به، تبدأ من طريقة التقديم في "السدر" – وهي الصينية الكبيرة – إلى طريقة الأكل باليد، وقوفًا حول الصينية، وخاصة في المناسبات الاجتماعية والعشائرية. هذه الطقوس ليست مجرد شكلية، بل تعكس قيم التعاون، والكرم، والرجولة، واحترام الضيف, لذلك نقوم أولا بوضع خبز الشراك في السدر ومن ثم فوقه الرز الأبيض ويتم توزيع اللحم بطريقة مرتبة ومن ثم يتم رش المكسرات والبقدونس وفي النهاية يتم وضع خبز شراك على الوجه .
وفي النهاية أحب أن أقول أن المنسف الأردني هو أكثر من مجرد لحم وأرز وجميد. إنه مرآة لثقافة عمرها قرون، ورسالة كرم وحب واعتزاز بالأرض والجذور. هو طبق يُحكى من خلاله تاريخ الأردن، ويُحتفل به في كل بيت، وكل مناسبة، وكل ذاكرة جميل..
وبالصحة والعافية….